فصل: حوادث سنة تسع وستين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


المجلد الرابع

 حوادث سنة تسع وستين ومائة

  ذكر موت المهدي

في هذه السنة مات المهدي أبوعبد الله محمد بن عبد الله المنصور بماسبذان وسبب خروجه إليها أنه قد عزم على خلع ابنه موسى الهادي والبيعة للرشيد بولاية العهد وتقديمه على الهادي فبعث إليه وهوبجرجان في المعنى فلم يفعل‏.‏

فبعث إليه في القدوم عليه فضرب الرسول وامتنع من القدوم عليه فسار المهدي يريده فلما بلغ ماسبذان أكل طعامأن ثم قال إني داخل إلى البهو أنام فلا توقظوني حتى أكون أنا الذي أنتبه فدخله فنام ونام أصحابه فاستيقظوا ببكائه فأتوه مسرعين فقال‏:‏ وقف على الباب رجل فقال‏:‏ كأني بهذا القصر قد باد أهله وأوحش منه ربعه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة وملك إلى قبر علية جناد له فلم يبق إلا ذكره وحديثه تنادي عليه معولات حلائله وقد اختلف في سبب موته فقيل إنه كان يتصيد فطردت الكلاب ظبيأن وتبعته فدخل باب خربة ودخلت الكلاب خلفه ثم تبعها فرس المهدي فدخلها فدق الباب ظهره فمات من ساعته‏.‏

وقيل‏:‏ بل بعثت جارية من جواريه إلى ضرة لها بإناء فيه سم فدعا به المهدي فأكل منه فخافت الجارية أن تقول إنه مسموم فمات من ساعته‏.‏

وقيل‏:‏ بل عمدت حسنة جارية له إلى كمثرى فأهدته إلى جارية أخرى كان المهدي يتخطاهأن وسمت منه كمثراة هي أحسن الكمثرى فاجتاز بالمهدي فدعا به وكان يحب الكمثرى فأخذ تلك الكمثرى المسمومة فأكله أن فلما وصلت إلى جوفه صاح‏:‏ جوفي جوفي‏!‏ فسمعت صوته فجاءت تلطم وجهها وتبكي وتقول‏:‏ أردت أن أنفرد بك فقتلتك‏!‏ فمات من يومه ورجعت حسنة وعلى قبتها المسوح فقال أبوالعتاهية في ذلك‏:‏ رحن في الوشي وأقبل ن عليهن المسوح كل نطاح من الدن يات له يوم نطوح لست بالباقي ولوعم رت ما عمر نوح فعلى نفسك نح إن كنت لا بد تنوح وكان موته في المحرم لثمان بقين منه وكانت خلافته عشر سنين وشهرًا وقيل عشر سنين وأربعين يومأن وتوفي وهوابن ثلاث وأربعين سنة ودفن تحت جوزة كان يجلس تحتهأن وصلى عليه ابنه الرشيد وكان أبيض طويلأن وقيل أسمر بإحدى عينيه نكتة بياض‏.‏

  ذكر بعض سيرته

كان المهدي إذا جلس للمظالم قال‏:‏ أدخلوا علي القضاة فلولم يكن ردي المظالم إلا للحياء منهم لكفى‏.‏

وسعتب المهدي على بعض القواد غير مرة وقال له في آخر ذلك‏:‏ إلى متى تذنب قال‏:‏ إلى إبد نسيء ويبقيك الله فتعفوعنا‏.‏

فاستحيا منه ورضي عنه‏.‏

وقال مسور بن مساور‏:‏ ظلمني وكيل المهدي وغصبني ضيعة لي فكتب إلى المهدي أتظلم فوصلت الرقعة وعنده عمه العباس ومحمد بن علاثة وعافية القاضي فاستدناني المهدي وسألني عن حالي فذكرته فقال‏:‏ أترضى بأحد هذين قلت‏:‏ نعم‏!‏ فاستدناني حتى التزقت بالفراش وحاكمني فقال له القاضي‏:‏ أطلقها له يا أمير المؤمنين‏!‏ قال‏:‏ قد فعلت فقال عمه العباس‏:‏ والله لهذا المجلس أحب إلي من عشرين ألف ألف درهم‏.‏

وخرج المهدي متنزه أن ومعه عمر بن ربيع مولاه فانقطعا في الصيد من العسكر وأصاب المهدي جوع فقال‏:‏ هل من شيء فقيل له‏:‏ نرى كوخأن فقصدوه فإذا فيه نبطي وعنده مبقلة فسلموا عليه فرد السلام فقالوا‏:‏ هل من طعام فقال‏:‏ عندي ربيثاء وهونوع من الصحناة وعندي خبز شعير‏.‏

فقال المهدي‏:‏ إن كان عندك زيت فقد أكملت‏.‏

قال‏:‏ نعم وكراث فأتاهما بذلك فأكلا حتى شبعا‏.‏

فقال المهدي لعمر بن ربيع‏:‏ قل في هذا شعرًا فقال‏:‏ إن من يطعم الربيثاء بالزي ت وخبز الشعير بالكراث لحقيق بصفعة أوبثنيتي ن لسوء الصنيع أوبثلاث فقال المهدي‏:‏ بئس ما قلت‏!‏ إمنا هو‏:‏ لحقيق ببدرة أوبثنيتي ن لحسن الصنيع أوبثلاث قال‏:‏ ووافهم العسكر والخزائن والخدم فأمر للنبطي بثلاث بدر وسأنصرف‏.‏

وقال الحسن الوصيف‏:‏ أصابتنا ريح شديدة أيام المهدي حتى ظننا أنها أسوقنا إلى المحشر فخرجت أطلب المهدي فوجدته واضعًا خده على الأرض وهويقول‏:‏ اللهم احفظ محمدًا في أمته‏!‏ اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم‏!‏ اللهم إن كنت أخذت هذا العالم بذنبي فهذه ناصيتي بين يديك‏.‏

قال‏:‏ فما لبثنا إلا يسيرًا حتى انكشفت الريح وزال عنا ما كنا فيه‏.‏

ولما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي الروزي الوفاة أوصى إلى المهدي فكتب‏:‏ ‏{‏شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 18‏]‏‏.‏ الآية ثم كتب‏:‏ والقاسم يشهد بذلك ويشهد أن محمدًا عبده ورسوله وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله ووارث الإمامة من بعده‏.‏

فعرضت الوصية على المهدي بعد موته فلما بلغ إلى هذا الموضع رمي بهأن ولم ينظر فيها‏.‏

وقال الربيع‏:‏ رأيت المهدي يصلي في بهوله في ليلة مقمرة فما أدري أهو احسن أم البهو أم القمر أم ثيابه فقرأ‏:‏ ‏{‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم‏}‏ ‏[‏محمد 22‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فتمم صلاته ثم التفت وقال‏:‏ يا ربيع‏!‏ قلت لبيك‏!‏ قال‏:‏ علي بموسى فقلت في نفسي‏:‏ من موسى ابنه أم موسى بن جعفر وكان محبوسًا عندي فجعلت أفكر فقلت‏:‏ ما هوإلا موسى ابن جعفر فأحضرته فقطع صلاته ثم قال‏:‏ يا موسى‏!‏ إني قرأت هذه الآية فخفت أن أكون قد قطعت رحمك فوثق لي أنك لا تخرج علي‏.‏

قال‏:‏ نعم فوثق له فخلاه‏.‏

وقال محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب‏:‏ رأيت فيما يرى النائم في آخر سلطان بني أمية كأني دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسي فنظرت في الكتاب الذي في المسجد بالفسيفساء فإذا فيه‏:‏ مما أمر به أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وإذ قائل يقول‏:‏ يمحوهذا الكتاب ويكتب مكانه اسمه رجل من بني هاشم يقال له محمد‏.‏

قلت‏:‏ فأنا من بني هاشم واسمي محمد فابن من قال‏:‏ ابن عبد الله‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ فأنا ابن عبد اله فابن من قال‏:‏ ابن محمد قلت‏:‏ فأنا ابن محمد فابن من قال‏:‏ ابن علي‏.‏

قلت‏:‏ فأنا ابن علي فابن من قال‏:‏ ابن عبد الله‏.‏

قلت‏:‏ فأنا ابن عبد الله فابن من قال‏:‏ ابن عباس فلولم يبلغ العباس ما شككت أني صاحب الأمر‏.‏

قال‏:‏ فتحدثت بها ذلك الزمان ونحن لا نعرف المهدي حتى ولي المهدي فدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه فرأى اسم الوليد فقال‏:‏ أرى اسم الوليد إلى اليوم فدعا بكرسي فألقي في صحن المسجد وقال‏:‏ ما أنا ببارح حتى يمحى ويكتب اسمي مكانه ففعل ذلك وهو جالس‏.‏

وخرج المهدي يطوف بالبيت ليل أن فسمع أعرابية تقول‏:‏ قومي مقترون نبت عنهم العيون وفدحتهم الديون وعضتهم السنون بادت رجالهم وذهبت أموالهم وكثرت عيالهم أبناء سبيل وأنضاء طريق وصية الله ووصية الرسول فهل من آمر لي بخير كلأه الله في سفره وخلفه في أهله‏!‏ قال‏:‏ فأمر لها بخمسمائة درهم‏.‏

وقال المهدي‏:‏ ما توسل أحد إلي بوسيلة هي أقرب من تذكيري يدًا سلفت مني إليه أتبعها وكان بشار بن برد قد هجا صالح بن داود أخا يعقوب حين ولي البصرة فقال‏:‏ هم حملوا فوق المنابر صالحًا خاك فضجت من أخيك المنابر فبلغ يعقوب هجاؤه فدخل على المهدي فقال له‏:‏ إن هذا الأعمى المشرك قد هجا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ وما قال قال‏:‏ يعفيني أمير المؤمنين من إنشاده‏.‏

فأبى أن يعفيه‏.‏

فأنشده‏:‏ خليفة يزني بعماته يلعب بالدبوق والصولجان أبدلنا الله به غيرة ودس موسى في حر الخيزران فوجه في حمله فخاف يعقوب أن يقدم على المهدي فيمدحه فيعفوعنه فوجه إليه من يلقيه في البطيحة في الحمارة‏.‏

وماتت الياقوتة بنت المهدي وكان معجبًا بها لا يطيق الصبر عنهأن حتى إنه كان يلبسها لبسة الغلمان ويركبها معه فلما ماتت وجد عليه أن وأمر أن لا يحجب عنه أحد فدخل الناس يعزونه وأجمعوا على أنهم لم يسمعوا تعزية أبلغ ولا أوجر من تعزية شبيب بن سيبة فإنه قال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ما عند الله خير منك وثواب الله خير لك منهأن وأنا أسأل الله أن لا يحزنك ولا يفتنك وأن يعطيك على ما رزئت أجرأن ويعقبك صبرأن ولا يجهد لك بلاء ولا ينزع منك نعمة وأحق ما صبر عليه مالا سبيل إلى ردة‏.‏

وبويع لابنه موسى الهادي في اليوم الذي مات فيه المهدي وهومقيم بجرجان يحارب أهل طبرستان ولما توفي المهدي كان الرشيد معه بماسبذان فأتاه الموالي والقواد وقالوا له‏:‏ إن علم الجند بوفاة المهدي لم تأمن الشغب والرأي أن تنادي فيهم بالرجوع حتى تواريه ببغداد‏.‏

فقال هارون‏:‏ ادعوا إلي أبي يحيى بن خالد وكان يحيى يتولى ما كان إلى الرشيد من أعمال المغرب من الأنبار إلى إفريقية فاستدعي يحيى إلى الرشيد فقال‏:‏ ما تقول فيما رأى هؤلاء وأخيره الخبر‏.‏

قال‏:‏ لا أرى ذلك لأن هذا لا يخفي ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلقوا بمحمله ويقولوا‏:‏ لا نخلي حتى نعطى لثلاث سنين وأكثر ويتحكموا ويشتطوأن ولكني أرى أن يوارى رحمه الله هاهنأن وتوجه نصيرًا إلى أمير المؤمنين الهادي الخاتم والقضيب والتعزية والتهنئة فإن الناس لا ينكرون خروجه إذ هو على بريد الناحية وأن تأمر لمن تبعك من الجند بجوائز مائتين مائتين وتنادي فيهم بالرجوع فلا تكون لهم همة سوى أهلهم‏.‏

ففعل ذلك فلما قبض الجند الدراهم تنادوا‏:‏ بغداد بغداد‏!‏ وأسرعوا إليهأن فلما بلغوها وعلموا خبر المهدي أتوا باب الربيع وأحرقوه وأخرجوا من كان في الحبوس وطالبوا بالأرزاق‏.‏

فلما قدم الرشيد بغداد أرسلت الخيزران إلى الربيع وإلى يحيى بن خالد تستدعيهما لتشاورهما في ذلك فأما الربيع فدخل عليها وأما يحيى فامتنع لما يعلم من غيرة الهادي وجمع الأموال حتى وكتب الهادي إلى الربيع كتابًا يتهدده بالقتل وكتب إلى يحيى يشكره ويأمره بأن يقوم بأمر الرشيد‏.‏

وكان الربيع يود يحيى ويثق به‏.‏

فاستشاره فيما يفعل خوفًا من الهادي فأشار عليه بأن يرسل ولده الفضل إلى طريق الهادي بالهدايا والتحف ويعتذر إليه ففعل ورضي الهادي عنه‏.‏

وكان الربيع قد أوصى إلى يحيى بن خالد وأخذت البيعة للهادي ببغداد وكتب الرشيد إلى الآفاق بوفاة المهدي واخذ البيعة للهادي وسار نصير الوصيف إلى الهادي بجرجان فعلم بوفاة المهدي والبيعة له فنادى الرحيل وركل على البريد مجدأن فبلغ بغداد في عشرين يومأن ولما قدمها استوزر الربيع‏.‏

وفي هذه السنة أيضًا هلك الربيع‏.‏

وفيها اشتد طلب المهدي للزنادقة فقتل منهم جماعة علي بن يقطين وقتل أيضًا يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وكان سبب قتله أنه أتى به إلى المهدي فأقر بالزندقة فقال‏:‏ لوكان ما تقول حقًا لكنت حقيقًا أن تتعصب لمحمد ولولا محمد من كنت‏!‏ أما والله لولا أني جعلت على نفسي أن لا أقتل هاشميًا لقتلتك‏.‏

قم قال للهادي‏:‏ أقسمت عليك إن وليت هذا الأمر لتقتلنه‏!‏ ثم حبسه فلما مات المهدي قتله الهادي وكذلك أيضًا كان عهده إليه بقتل ولد لداود بن علي بن عبد الله بن عباس كان زنديقأن فمات في الحبس قبل المهدي‏.‏

ولما قتل يعقوب أدخل أولاده على الهادي فأقرت ابنته فاطمة أنها حبلى من أبيهأن فخوفت فماتت من الفزع‏.‏

  ذكر ظهور الحسين بن علي بن الحسن

وفي هذه السنة ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وهوالمقتول بفخ عند مكة‏.‏

وكان سبب ذلك أن الهادي استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فلما وليها أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ومسلم بن جندب الشاعر الهذلي وعمر بن سلام مولى آل عمر على شراب لهم فأمر بهم فضربوا جميعأن وجعل في أعناقهم حبال وطيف بهم في المدينة فجاء الحسين بن علي إلى العمري وقال له‏:‏ قد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم لأن أهل العراق لا يرون به بأسأن فلم تطوف بهم فأمر بهم فردوا وحبسهم‏.‏

ثم إن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفلا الحسن بن محمد فأخرجه العمري من الحبس وكان قد ضمن بعض آل أبي طالب بعضأن وكانوا يعرضون فغاب الحسن بن محمد عن العرض يومين فأحضر الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله وسألهما عنه وأغلظ لهمأن فحلف له يحيى أنه لا ينام حتى يأتيه به أويدق عليه باب داره حتى يعلم أنه جاءه به‏.‏

فلما خرجا قال له الحسين‏:‏ سبحان الله‏!‏ ما دعاك إلى هذا ومن أين تجد حسنًا حلفت له بشيء لا تقدر عليه‏.‏

فقال‏:‏ والله لا منت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف‏.‏

فقال له الحسين‏:‏ إن هذا ينقض ما كان بيننا وبين أصحابنا في الميعاد‏.‏

وكانوا قد تواعدوا على ألا يظهروا بمنى وبمكة في الوسم فقال يحيى‏:‏ قد كان ذلك فانطلقا وعملا في ذلك في ليلتهم وخرجوا آخر الليل وجاء يحيى حتى ضرب على العمري باب داره فلم يجده وجاؤوا فاقتحموا المسجد وقت الصبح‏.‏

فلما صلى الحسين الصبح أتاه الناس فبايعوه على كتاب الله وسنة نبيه للمرتضى من آل محمد وجاء خالد البريدي في مائتين من الجند وجاء العمري ووزير بن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد الشروي ومعهم ناس كثير فدنا خالد منهم فقام إليه يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن الحسن فضربه يحيى على أنفه فقطعه ودار له إدريس من خلفه فضربه فصرعه ثم قتلاه فانهزم أصحابه ودخل العمري في المسودة فحمل عليهم أصحاب الحسين فهزمزهم من المسجد وانتهبوا بيت المال وكان فيه بضعة عشر ألف دينار وقيل سبعون ألفأن وتفرق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم‏.‏

فلما كان الغد اجتمع عليهم شيعة بني العباس فقاتلوهم وفشت الجراحات في الفريقين واقتتلوا إلى الظهر ثم افترقوا ثم إن مباركًا التركي أتى شيعة بني العباس من الغد وكان قدم حاجأن فقاتل معهم فاقتتلوا أشد قتال إلى منتصف النهار ثم تفرقوأن ورجع أصحاب الحسين إلى المسجد وواعد مبارك الناس الرواح إلى القتال فلما غفلوا عنه ركب رواحله وانطلق وراح الناس فلم يجدوه فقاتلوا شيئًا من قتال إلى المغرب ثم تفرقوا‏.‏

وقيل إن مباركًا أرسل إلى الحسين يقول له‏:‏ والله لأن أسقط من السماء فتخطفني الطير أيسر علي من أن تشوكك شوكة أوأقطع من رأسك شعرة ولكن لا بد من الأعذار فتبيتني فإلي منهزم عنك‏.‏

فوجه إليه الحسن وخرج إليه في نفر فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبروأن فانهزم هو وأصحابه‏.‏

وأقام الحسين وأصحابه أيامًا يتجهزون فكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يومأن ثم خرجوا لست بقين من ذي القعدة فلما خرجوا عاد الناس إلى المسجد فوجدوا فيه العظام التي كانوا يأكلون وآثارهم فدعوا عليهم‏.‏

ولما فارق المدينة قال‏:‏ يا أهل المدينة‏!‏ لا خلف الله عليكم بخير‏.‏

فقالوا‏:‏ بل أنت لا خلف الله عليك ولا ردك علينا‏!‏ وكان أصحابه يحدثون في المسجد فغسله أهل المدينة‏.‏

ولما أتى الحسين مكة أمر فنودي‏:‏ أيما عبد أتانا فهوحر‏.‏

فأتاه العبيد‏.‏

فانتهى الخبر إلى الهادي وكان قد حج تلك السنة رجال من أهل بيته منهم‏:‏ سليمان بن المنصور ومحمد بن سليمان بن علي والعباس بن محمد بن علي وموسى وإسماعيل ابنا عيسى بن موسى فكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بتوليته على الحرب وكان قد سار بجماعة وسلاح من البصرة لخوف الطريق فاجتمعوا بذي طوى وكانوا قد احرموا بعمرة فلما قدموا مكة طاقوا وسعوأن وحلوا من العمرة وعسكروا بذي طوى وأنضم إليه من حج من شيعتهم ومواليهم وقوادهم‏.‏

ثم إنهم اقتتلوا يوم التروية فانهزم أصحاب الحسين وقتل منهم وجرح وانصرف محمد بن سليمان ومن معه إلى مكة ولا يعلمون ما حال الحسين فلما بلغوا ذا طوى لحقهم رجل من أهل خراسان يقول‏:‏ البشرى البشرى هذا رأس الحسين‏!‏ فأخرجه وبجبهته ضربة طولى وعلى قفاه ضربة أخرى وكانوا قد نادوا الأمان فجاء الحسن بن محمد بن عبد الله أبوالزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد فأخذه موسى بن عيسى وعبد الله بن العباس بن محمد فقتلاه فغضب محمد بن سليمان غضبًا شديدأن وأخذ رؤوس القتلى فكانت مائة رأس ونيفأن وفيها رأس الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي وأخذت أخت الحسين فتركت عند زينب بنت سليمان وغضب على موسى بن عيسى كيف قتل الحسن بن محمد وقبض أمواله فلم تزل بيده حتى مات وغضب على مبارك التركي وأخذ ماله وجعله سائس الدواب فبقي كذلك حتى مات المهدي‏.‏

وأفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي فأتى مصر وعلى بريدها واضح مولى صالح بن المنصور وكان شيعيًا لعلي فحمله على البريد إلى أرض المغرب فوقع بأرض طنجة بمدينة وليلة فاستجاب له من بها من البربر‏.‏

فضرب الهادي عنق واضح وصلبه‏.‏

وقيل‏:‏ إن الرشيد هوالذي قتله‏.‏

وإن الرشيد دس إلى إدريس الشماخ اليمامي مولى المهدي فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم‏.‏

وعظمه وآثره على نفسه فمال إليه إدريس وأنزله عنده ثم إن إدريس شكا إليه مرضًا في أسنانه فوصف له دواء وجعل فيه سمأن وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر فأخذه منه وهرب الشماخ ثم استعمل إدريس الدواء فمات منه فولى الرشيد الشماخ بريد مصر‏.‏

ولما مات إدريس بن عبد الله خلف مكانه إبنه إدريس وأعقب بهأن وملكوهأن ونازعوا بني أمية في إمارة الأندلس على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وحملت الرؤوس إلى الهادي فلما وضع رأس الحسين بين يدي الهادي قال‏:‏ كأنكم قد جئتم برأس طاغوت من الطواغيت‏!‏ إن أقل ما أجزيكم به أن أحرمكم جوائزكم فلم يعطهم شيئًا‏.‏

وكان الحسين شجاعا أن كريماأن قدم على المهدي فأعطاه أربعين ألف دينار ففرقها في الناس ببغداد والكوفة وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه إلا فروًا ليس تحته قميص‏.‏

  ذكر عدة حوادث وغزا الصائفة

هذه السنة معيوف بن يحيى من درب الراهب وقد كانت الروم قبل ذلك جاؤوا مع بطريقهم إلى الحدث فهرب الوالي وأهل السوق فدخلها الروم فقصدهم معيوف فبلغ مدينة أشنة فغمن وسبى‏.‏

وحج بالناس هذه السنة سليمان بن منصور وكان على المدينة عمر بن عبد العزيز العمري وعلى مكة والطائف عبيد الله بن قثم وعلى اليمن إبراهيم بن سلم بن قتيبة وعلى اليمامة والبحرين سويد بن أبي سويد القائد الخراساني وعلى عمان الحسن بن نسيم الحواري وعلى الكوفة موسى بن عيسى وعلى البصرة محمد بن سليمان وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي

وعلى قومس زياد بن حسان وعلى طبرستان والرويان صالح بن شيخ بن عميرة الأسدي وعلى أصبهان طيفور مولى الهادي وعلى الموصل هاشم ين سعيد بن خالد فأساء السيرة في أهلهأن فعزله الهادي وولاها عبد الملك بن صالح الهاشمي‏.‏

وفيها خرج الجزيرة حمزة بن مالك الخزاعي وعلى خراجها منصور ين زياد فسير جيشًا إلى الخارجي فالتقوا بباعربايأن من بلد الموصل فهزمهم الخارجي وغمن أموالهم وقوي أمره في رجلان وصحباه ثم اغتالاه فقتلاه‏.‏

وفيها مات مطيع بن إياس الليثي الكناني الشاعر وأبوعبيد الله معاوية بن عبد الله بن بشار الأشعري مولاهم وكان وزير المهدي وقيل مات سنة سبعين ومائة‏.‏

وفيها توفي نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المقرئ صاحب القراءة أحد القراء السبعة والربيع بن يونس صاحب المنصور مولاه‏.‏

 حوادث سنة سبعين ومائة

  ذكر ما جرى للهادي في خلع الرشيد

كان الهادي قد جد في خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر وكان السبب في ذلك أن الهادي لما عزم على خلعه ذكر لقواده فأجابه إليه يزيد بن مزيد الشيباني وعبد الله بن مالك وعلي بن عيسى وغيرهم فخلعوا هارون وبايعوا لجعفر ووضعوا الشيعة فتكلموا في ذلك وتنقصوا بالرشيد في مجلس الجماعة وقالوا لا نرضى به وصعب أمرهم وأمر الهادي أن لا يسار بين يدي هارون بالحربة فاجتنبه الناس وتركوا السلام عليه‏.‏

وكان يحيى بن خالد بن برمك يتولى أمور الرشيد بأمر الهادي فقيل للهادي‏:‏ ليس عليك من أخيك خلاف إمنا يحيى يفسده فبعث إليه وتهدده ورماه بالكفر ثم إنه استدعاه ليلة فخاف وأوصى وتحنط وحضر عنده فقال له‏:‏ يا يحيى‏!‏ مالي وما لك قال‏:‏ ما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته‏.‏

قال‏:‏ لم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي قال‏:‏ من أنا حتى أدخل بينكما إمنا صيرني المهدي معه ثم أمرتني أنت بالقيام بأمره فانتهيت إلى أمرك‏.‏

فسكن غضبه‏.‏

وقد كان هارون طاب نفسًا بالخلع فمنعه يحيى عنه‏.‏

فلما أحضره الهادي وقال له في ذلك قال يحيى‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر بعده كان ذلك أوكد للبيعة‏.‏قال‏:‏ صدقت وسكت عنه‏.‏

فعاد أولئك الذين بايعوه من القواد والشيعة فحملوه على معاودة الرشيد بالخلع فاحضر يحيى وحبسه فكتب إليه‏:‏ إن عندي نصيحة فأحضره فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أرأيت إن كان الأمر الذي لا يبلغه ونسأل الله أن يقدمنا قبله يعني موت الهادي أتظن الناس يسلمون الخلافة لجعفر وهولم يبلغ الحنث أويرضون به لصلاتهم وحجهم وغزوهم قال‏:‏ ما أظن ذلك‏!‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ أفنأمن أن يسموإليها أكابر أهلك مثل فلان ويطمع فيها غرهم فتخرج من ولد أبيك والله لوأن هذا الأمر لم يعقده المهدي لأخيك لقد كان ينبغي أن تعقده أنت له فكيف بأن تحله عنه وقد عقده المهدي له‏!‏ ولكني أرى أن تقر الأمر على أخيك فإذا بلغ جعفر أتيته بالرشيد فخلع نفسه له وبايعه‏.‏

فقبل قوله وقال‏:‏ نبهتني على أمر لم أنتبه له‏.‏

وأطلقه‏.‏

ثم إن أولئك القواد عاودوا القول فيه فأرسل الهادي إلى الرشيد في ذلك وضيق عليه فقال له يحيى‏:‏ استأذنه في الصيد فإذا خرجت فأبعد ودافع الأيام‏!‏ ففعل ذلك وأذن له فمضى إلى قصر بني مقاتل فأقام أربعين يوما أن فأنكر الهادي أمره وخافه فكتب إليه بالعود فتعلل عليه فأظهر الهادي شتمه وبسط مواليه وقواده فيه ألسنتهم فلما طال الأمر عاد الرشيد وقد كان الهادي في أول خلافته جلس وعنده نفر من قواده وعنده الرشيد وهوينظر إليه ثم قال له‏:‏ يا فقال له هارون‏:‏ يا موسى إنك إن تجبرت وضعت وإن تواضعت رفعت وإن ظلمت قتلت وإن أنصفت سلمت وإني لأرجوأن يفضي الأمر إلي فأنصف من ظلمت وأصل من قطعت وأجعل أولادك أعلى من أولادي وأزوجهم بناتي وأبلغ ما تحب من حق الإمام المهدي‏.‏

فقال له الهادي‏:‏ ذلك الظن بأنك يا أبا جعفر ادن مني‏!‏ فدنا منه وقبل يده ثم أرد العود إلى مكانه فقال‏:‏ لا والشيخ الجليل والملك النبيل اعني المنصور لا جلست إلا معي فأجلسه في صدر مجلسه ثم أمر أن يحمل إليه ألف ألف دينار وأن يعمل إليه نصف الخراج وقال لإبراهيم الحراني‏:‏ اعرض عليه ما في الخزائن من مالنأن وما أخذ من أهل بيت اللعنة يعني بني أمية فيأخذ منه ما أراد فليأخذ منه ما أراد‏.‏

ففعل ذلك‏.‏

فقام عنه‏.‏

وسئل الرشيد عن الرؤي أن فقال‏:‏ قال المهدي‏:‏ رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى وإلى هارون قضيبأن فأورق من قضيب موسى أعلاه وأوراق قضيب هارون من أوله إلى آخره فعبرت لهما أنهما يملكان معأن فأما موسى فقتل أيامه وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفة وتكون أيامه أحسن أيام ودهره أحسن دهر فكان كذلك‏.‏

و ذكر أن الهادي خرج إلى حديثه الموصل فمرض بهأن واشتد مرضه وانصرف وكتب إلى جميع عماله شرقًا وغربًا بالقدوم إليه فلما ثقل أجمع القواد الذين كانوا بايعوا جعفرأن وتآمروا في قتل يحيى بن خالد وقالوا‏:‏ إن صار الأمر إليه قتلنأن وعزموا على ذلك ثم قالوا‏:‏ لعل الهادي يفيق فما عذرنا عنده فأمسكوأن ولما اشتد مرض الهادي أرسلت الخيزران إلى يحيى تأمره بالاستعداد فأحضر يحيى كتابأن فكتبوا الكتب من الرشيد إلى العمال بوفاة الهادي وأنه قد ولاهم ما كان ويكون فلما مات الهادي سيرت الكتب‏.‏

وقيل إن يحيى كان محبوسًا‏.‏

وكان الهادي قد عزم على قتله تلك الليلة وإن هرثمة بن أعين هوالذي أقعد الرشيد على ما سنذكره‏.‏

ولما مات الهادي قالت الخيزران‏:‏ قد كنا نتحدث أنه يموت في هذه الليلة خليفة ويملك خليفة ويولد خليفة فمات الهادي وولي الرشيد وولد المأمون وكانت الخيزران قد أخذت العلم من الأوزاعي وكان موت الهادي بعيساباذ‏.‏

  ذكر وفاة الهادي

وفي هذه السنة توفي الهادي موسى بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس في شهر ربيع الأول‏.‏

واختلف في سبب وفاته فقيل كان سببها قرحة كانت في جوفه وقيل مرض بحديثه الموصل وقيل إن وفاته كانت من قبل جوار لأمه الخيزران كانت أمرتهن بقتله وكان سبب أمرها بذلك أنه لما ولي الخلافة كانت تستبد بالأمور دونه وتسلك به مسلك المهدي حتى مضى أربعة أشهر فانثال الناس إلى بابهأن وكانت المواكب تغدو وتروح إلى بابهأن فكلمته يومًا في أمر لم يجد إلى إجابتها سبيلأن فقالت‏:‏ لا بد من إجابتي إليه فإنني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك‏.‏

فغضب الهادي وقال‏:‏ ويلي على ابن الفاعلة‏!‏ قد علمت أنه صاحبها والله لا قضيتها لك‏.‏

قالت‏:‏ إذًا والله لا أسألك حاجة أبدًا قال‏:‏ لا أبالي والله وغضبت فقامت مغضبة فقال‏:‏ مكانك والله وإلا أنا نفي من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي وخاصتي لأضربن عنقه ولأقبضن ماله‏.‏

ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك أما لك مغزل يشغلك أومصحف يذكرك أوبيت يصونك إياك‏!‏ وإياك‏!‏ لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي‏.‏

فانصرفت وهي لا تعقل فلم تنطق عنده بعدها‏.‏

ثم إنه قال لأصحابه‏:‏ أيما خير أنا أم أنتم وأمي أم أمهاتكم قالوا‏:‏ بل أنت وأمك خير‏.‏

قال‏:‏ فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه فيقال‏:‏ فعلت أم فلان وصنعت قالوا‏:‏ لا نحب ذلك‏.‏

قال‏:‏ فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون بحديثها فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها‏.‏

ثم بعث بأرز وقال‏:‏ قد استطبتهأن فكلي منها‏.‏

فقيل لها‏:‏ أمسكي حتى تنظري‏!‏ فجاؤوا بكلب فأطعموه فسقط لحمه لوقته فأرسل إليها‏:‏ كيف رأيت الأرز قالت‏:‏ طيبًا‏.‏

قال‏:‏ ما أكلت منهأن ولوأكلت منها لاسترحت منك متى أفلح خليفة له أم‏!‏ وقيل‏:‏ كان سبب أمرها بذلك أن الهادي لما جد في خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر خافت الخيزران على الرشيد فوضعت جواريها عليه لما مرض فقتلنه بالغم والجلوس على وجهه فمات فأرسلت إلى يحيى بن خالد تعلمه بموته‏.‏